ذبيحة الاستشهاد :
_______________________
العالم كله وقفا متعجبا أمام ألوف الشهداء المُقدمين أجسادهم ذبيحة حب للملك المسيح , والإنسان الطبيعي يحتار فى أمر هؤلاء الشهداء , ويعتبر هذا العمل الذى قام به الشهداء شيئ من المستحيلات .
الحقيقة الشهداء لم يُقدموا أجسادهم ذبيحة بدافع عاطفى أو تحت تأثير من غسيل المخ أو بدافع نفسى ,أو تحت قهر من ارادة الحكومات ومن لهم يد السلطة , ولكن الاستشهاد الحقيقى يستمد قوته من الروح القدس الساكن فيهم والمحرك الاساسي لهم .
فالروح القدس هو روح الاستشهاد والشهادة فى الانسان :
لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض أع 1 : 8
فالروح القدس هو سر الحب الالهى داخل كيان الانسان الجديد ,فمنذ قبول سر التثبيت "سر المسحة المقدسة " والروح يتعهد النفس ويسكن داخلها وشغله الشاغل أن يسكب محبة المسيح داخل قلب الانسان .
فالروح القدس هو ينبوع الحب الالهى داخل الانسان ,لا يرتاح الا أن يفيض بالحب داخل الانسان ,ويحزن الروح فى الانسان أذا لم ينتبه الانسان لهذا الينبوع داخله :
ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء أف 4 : 30
والحب الالهي الذى ينبع من داخل النفس بالروح القدس هو أساس العلاقة بين المسيح والانسان ,فالنفس البشرية هى العذراء العفيفة التى خطبها بولس الرسول للمسيح :
فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح. 2كو 11 : 2
ويعمل الروح القدس عمل الام بالنسبة للنفس فهو الذى يسعى بكل جهد واشتياق فى تزين وأعداد كل ما تحتاجه النفس كعروس للمسيح .
بل هو نفسه ينبوع الحب الالهى داخل النفس الذى به تحب المسيح وتأثر قلب المسيح , والحب النابع من الروح القدس فى النفس حب مختلف تمام الاختلاف عن حب العالم فهو عكسه تمامآ.
فالحب الالهى حب بذل وتضحية الى المنتهى , ولكن بأى شيئ يمكن أن يُضحى الانسان الفقير من أجل المسيح ؟
وهل هو يملك شيئ يمكن أن يُضحى به من أجل المسيح ؟
الحقيقة أن الروح القدس يستخدم ذات الانسان كذبيحة للمسيح فلا يمكن أن يكون هناك حب بين المسيح والانسان الا من خلال بذل الذات :
وقال للجميع ان اراد احد ان يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني. لو 9 : 23
ومن العجيب ان المسيح أتم طقس الحب والبذل هذا وبصورة كاملة وليس لها نظير من جهة الانسان اولآ .!!
فهو بذل ذاته من أجل كل انسان ولكل انسان على حدا ,قدم ذاته بالتمام على مذبح الحب فهو الذى احبنا اولآ وبذل ذاته من أجلنا :
في هذه هي المحبة ليس اننا نحن احببنا الله بل انه هو احبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا 1يو 4 : 10
نحن نحبه لانه هو احبنا اولا. 1يو 4 : 19
وأذا رغب أحد أن يبادل المسيح الحب فليس له طريق أخر الا أن يتمم هذا البذل بالذات الى المنتهى ,ولما كان الانسان ضعيف جدآ وليس لديه اى امكانية حقيقية للبذل والتضحية ,لهذا ارسل المسيح روحه القدوس لُيعد النفس ويضع فيها قوة حب لشخص المسيح .
قوة حب فائقة تكون هى القوة الدافعة لبذل الذات ,فهو حضن الام للنفس الذى يهيئها لعريسها , فمتى أدرك الانسان الروح القدس داخله وسمع ندائه وسلم له نفسه وصار خلفه استطاع ان يكسر ذاته يومآ بعد يوم على مذبح الحب الالهى ,حتى لا يوجد به ذات نهائيآ ويشعر الانسان أنه يحيا لا أنا بل المسيح يحيا في غل 2 : 20
وكل حركة من الذات يرصدها الروح القدس فى النفس الحية والامينة ويُحس النفس عن الابتعاد عنها وقبول عكس ما تُريد .
والشهيد هو نموذج عملى لعمل الروح القدس بصورة مباشرة فهو قبل صوت الروح فى تقديم ذاته مرة واحدة على مذبح الحب الالهى فعندما يجد الروح هذا الميل فى النفس وهذه الارادة حاضرة فى قبول ذبح الذات من محبة الملك المسيح ,
حينئذآ يستلم النفس ويُحيطها بقوته ويُغلفها بمجده وقوة الحياة والقيامة التى فيه حتى تكمل طقس كسر الذات ويصبح الشخص هو الشهيد وتُكتب له الذكصا .